عندما أتذكّر (ياسر الجندي) فإنني أتذكر ذلك الوجه الشاحب المرهَق، ولفافات التبغ التي لا تنتهي، والسهر في عنبر النساء البارد، وأكواب القهوة والحلبة الحصى، والممرضات الساهرات بالقوة يلعبن (الآل) بزجاجات الدواء الفارغة بانتظار الولادة التالية.. أتذكّر القفازات الملوثة بالدم والقساطر، وياسر الذي يركض في طرقات المستشفى في الظلام بحثًا عن فصيلة (أو سالب) من أجل عطيات أو إنصاف التي تنزف في عنبر الولادة بينما اختفى أهلها وهجرها زوجها. لو قابلته وقتها وكنت من ذات الفصيلة فلن ينقذك من براثنه شيء.. مهما قلت أو فعلت.
ياسر الجندي.. ما زلت أتذكّره كلما تحدث أحدهم عن إهمال الأطباء وجهلهم.. الأطباء الذين هم دائمًا غير موجودين في المستشفيات، فإذا تواجدوا كانت هذه نهايتك لأنهم يرتكبون الأغلاط القاتلة بالجملة. المشكلة أن الأمثلة الإيجابية كثيرة جدًا لكنها غير مسلية ولا تروق للصحافة ولا المرضى. لا أحد يكتب مقالًا عن طبيب تبرع بدمه من أجل مريضة، لكن الجميع يكتب للصحف عن طبيب سرق كلية.. هذه هي طبائع الأشياء.
• من مقال: ياسر وبطاطا وأشياء أخرى.
• صورة د. ياسر الجندي مع دفعة طب طنطا عام 1980 وهي من متعلقات د. أحمد خالد توفيق.